(عُمر) فيلم فلسطيني جديد
يحمل صفة العالمية بكل صورها.
مقال من اعداد لولوة غازي
ليون – فرنسا (اكتوبر2013)
يعرض حاليا في سينمات فرنسا وأوروبا الفيلم الفلسطيني الروائي ( عُمَر ) للمُخرج الفلسطيني النصراوي هاني أبو أسعد ، صاحب فيلم ( الجنة الآن ) عام 2005 ،و الذي فاز بجائزة الكرة الذهبية ” الجولدن جلوب “ لأفضل فيلم باللغة الأجنبية .
فقد قام المخرج بجولة تعريفية لفيلمه (عُمَر) في أكثر من خمسة عشر مدينة أوروبية من بينها مدينة ” ليون” الفرنسية، وأحدث من خلال جولته هذه مناقشات ومقابلات إعلامية مع جميع المهتمين بهذا المجال الفني، ولا ننسى أن فيلم (عُمَر) الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ” كان ” لهذا العام ضمن فئة نظرة خاصة، قد اختير أيضا ليمثل فلسطين ضمن مسابقة الأوسكار لعام 2014.
وكان ليَ الفرصة كمشاهدة فلسطينية في ” ليون ” لمشاهدة هذا الفيلم المميّز، والذي تم تمثيله في وسط الأراضي الفلسطينية في مدينة الناصرة ونابلس دون ذِكر ذلك بالفيلم، فقد شدّني كثيراً وأثارت أحداثه الفلسطينية تساؤلات متعددة عند كل مُشاهديه، بدليل الذين التقيتُ بهم من مشاهدين فرنسيين بعد الفيلم، فقد شدّ الفيلم انتباههم كثيراً لطرحه لقضايا قد تكون غائبة إعلامياً عن الأوروبي وحتى عن الفلسطيني في غربته.
وعلى الرغم من ظروف الاحتلال المنهكة، ووجود الجدار العازل بين المدن الفلسطينية نفسها والشعب الفلسطيني مع بعضه البعض، استطاع المخرج بكاميرته التصويرية السينمائية اختراق وتصوير جمال الطبيعة الفلسطينية مثلاً، والحياة في مدنها الأصيلة الغنيّة بتراثها وأحيائها وأزقتها الضيقة، والتقاطه لكل هذا بسرعة مميزة من خلال حركة البطل “عُمَر ” ومحاولته الفِرار من الجيش الاسرائيلي وهو الممثل الفلسطيني (آدم البكري).
وتَعَرّض الفيلم أيضاً لمواضيع هامة بنظرة واقعية شفافة عميقة غايةً في الأهمية، وجَذْب للمُشاهد عندما ركّز على قصة حُب “عُمَر ” الشديد للفتاة الفلسطينية ” ناديا ” الممثلة الفلسطينية (ليم لوباني).
فمن خلال قصة الحب الصادقة بين ” عمر ” و ” ناديا ” ، يَتَكَشّف للمُشاهد الغربي و المُشاهد الشرقي أموراً أخرى حقيقية تحدث يومياً في المجتمع الفلسطيني من حب وخيانة بين الأصدقاء ، وما يحدث أيضاً في السجون الاسرائيلية من إهانة وذل غير انساني للسُجناء الفلسطينيين قبل أن تتأكد التهمة عليهم ، والضغوطات النفسية السيّئة التي يلاقونها باستمرار دون رحمة ، ففي هذا الفيلم بالذات يتعرض المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد إلى مشكلة العَمالة و التواطُؤ مع الاحتلال ضد أبناء البلد الواحد، وهي مشكلة مُعقدة ليست بالسهولة إظهارها أو التعبير عنها بتلك القوة والسلاسة التي أظهرها الفيلم، فضَغْط الضابط الاسرائيلي “رامي ” و هو الممثل الفلسطيني ( وليد زعيتر ) على البطل ” عُمَر” بما يمتلكه الأول من معلومات دقيقة عنه .
تتعقد الأمور بين أصدقاء الطفولة الثلاثة عمر وطارق وأمجد حتى يتحولون إلى أشخاص يشكّون ببعضهم البعض بعد تنفيذهم لعملية أدّت إلى مقتل جندي إسرائيلي، وتتصاعد الاحداث إلى أن تأتي النهاية القوية التي أثارت تساؤلات عديدة عند المشاهدين و التي تطرح فكرة أهمية الحل السِّلمي السريع للقضية الفلسطينية و التي أترُكُها للمشاهد أن يكتشفها من خلال مشاهدته للفيلم.
و فيلم “عُمَر” لا يخلو من اللكشات الفُكاهية الفلسطينية التي تَظهر من المشهد الأول ، و الذي يجمع الأبطال الأربعة للفيلم و التي أثارها الفنان الفلسطيني النصراوي ( روحي عيادي ) المُقيم في فرنسا، والتي كانت لي الفرصة بأن ألتقي به بعد مشاهدتي للفيلم في (ليون) ، فقد كان له دور (حسام) شخصية من الشخصيات الجاسوسية التي تعرضت لاعتقال المقاومة، فالفنان (روحي عيادي) أثنى على الفيلم و قدم كل التحية و الاحترام للمخرج و طاقم العمل جميعاً ، و أن هذا الفيلم – كما قال – جاء بأفكار متنوعة واقعية تتحدث عن حياة الشعب الفلسطيني و سيطرة الجدار و الجيش الاسرائيلي و مُخابراته على الناس دون ذنب كما ظهر في أحد المشاهد ، و الغرض من ذلك هو الذل و ضغط كبير ، و كيف أن الفيلم أيضاً أعطى الأسباب السياسية و النفسية المقنعة للمقاومة و لكنه لم يُثِر النشطاء السياسيين بل أوضح لهم الرُّؤية و وسَّعها بشكلِها الملائم و الذي يحدث على أرض الواقع الفلسطيني المضطرب .
وأضاف الفنان (روحي عيادي) بأن الفيلم طرح سؤالاً (من هو الخائن ؟!!) لتتعثر بعدها الإجابات وتأتي النهاية بالحل والإجابة معاً.
فعلاً إنّه فيلم يستحق المشاهدة والتحليل لما يحتويه من أفكار جِدِّية تستحق كل احترام وتقدير من الجانبَ الفلسطيني الذي يطمح بكل ما اؤتيَ من عزيمة وإنسانية ان يعيش بسلامٍ مع الجميع هو وأبناؤه وأحفاده القادمين. وعليه يستحق فيلم (عُمَر) لقب الفيلم العالمي بكل المقاييس الفنّية والروائية المتعارف عليها سينمائيا.